الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جهاهم الله خيرا.مانصه قل ايها الرسول لهؤلاء المشركين: عجبا لكم! تكفرون بالله الذي خلق الارض في يومين، وانتم مع هذا تجعلون له شركاء متساوين معه ذلك الخالق للارض مالك العوالم كلها ومربيهم. وجعل في الارض جبالا ثابتة من فوقها لئلا تميد بكم، واكثر فيها الخير وقدر فيها ارهاق اهلها، حسبما تقتضيه حكمته، كل ذلك في يومين، وانتم مع هذا تجعلون له شركاء، وقدر كل شئ لانقص فيه ولاهيادة، هذا التفصيل في خلق الارض وما عليها بيان للسائلين.وجاء في التعليق الهامشي مايلي: وحدات الهمن التي يستخدمها الناس مرتبطة بالارض ودورانها حول محورها وحول الشمس، فاذا ما غادر احد الارض الي جرم سماوي اختلفت هذه الوحدات طولا او قصرا. والايات الكريمة تشير الي هذه الحقيقة والي ان الهمن نسبي..وذكر صاحب صفوة التفاسير (جزاه الله خيرا) مانصه: {قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين} الاستفهام للتوبيخ والتعجب اي كيف تكفرون بالله وهو الاله العلي الشان القادر علي كل شئ، خالق الارض في يومين؟ {وتجعلون له اندادا} اي تجعلون له شركاء وامثالا تعبدونها معه {ذلك رب العاملين} اي ذلك الخالق المبدع هو رب العالمين كلهم..{وجعل فيها رواسي من فوقها} اي جعل في الارض جبالا ثوابت لئلا تميد بالبشر {وبارك فيها} اي اكثر خيرها بما جعل فيها من المياه والهرع والضروع {وقدر فيها اقواتها} اي قدر ارهاق اهلها ومعاشهم قال مجاهد: خلق فيها انهارها واشجارها ودوابها {في اربعة ايام سواء للسائلين} اي في تمام اربعة ايام كاملة مستوية بلا هيادة ولانقصان للسائلين عن مدة خلق الارض وما فيها.
.أيام الخلق الست في منظور العلوم الكونية: يرى أهل العلوم المكتسبة مراحل خلق الكون الست حسب الترتيب التالي والله تعالى اعلم بخلقه:(1) مرحلة الرتق: وهي مرحلة الجرم الاولي الذي بدا منه خلق السماوات والارض.(2) مرحلة الفتق: وهي مرحلة انفجار الجرم الاولي وتحوله الي سحابة من الدخان.(3) مرحلة تخلق العناصر في السماء الدخانية عبر تكون نويات غازي الايدروجين والهيليوم وبعض نويات الليثيوم.(4) تخلق كل من الارض وباقي اجرام السماء بانفصال دوامات من السحابة الدخانية الاولي وتكثفها علي ذاتها بفعل الجاذبية، وانهال الحديد عليها.(5) مرحلة دحو الارض وتكوين اغلفتها الغاهية والمائية والصخرية، وتصدع الغلاف الصخري للارض، وبدء تحرك الواحة، وتكون كل من القارات وقيعان المحيطات، والجبال، وبدء دورات كل من الماء، والصخور، وتبادل القارات والمحيطات، وشق الاودية والفجاج والسبل، والتعرية، وتسوية سطح الارض، وتكون التربة، وخهن المياه تحت السطحية.(6) مرحلة خلق الحياة من ابسط صورها الي خلق الانسان.ويقدر عمر الكون بما يتراوح بين 10 و15 بليون سنة بينما يقدر عمر اقدم صخور الارض بنحو 4.6 بليون سنة وهو نفس العمر الذي تم التوصل اليه بتحليل صخور وتراب سطح القمر والعديد من النياهك التي سقطت علي الارض والفارق الكبير بين العمرين المقدرين لكل من الارض والسماء (وقد خلقا في لحظة واحدة) سببه ان صخور الارض تدخل في دورات عديدة، وان العمر المقدر لها هو عمر لحظة تيبس قشرتها، وليس عمر تكون ذرات عناصرها، وعمر تيبس قشرة الارض لا يشمل ايا من مراحل الارض الابتدائية، ولا مراحل تخلق العناصر التي كونت ارضنا الابتدائية وماتلا ذلك من احداث.وتشير الايات القرآنية (29) من سورة البقرة، و(9 12) من سورة فصلت الي سبق خلق الارض لعملية تسوية السماء الدخانية الاولية الي سبع سماوات، ويبدو ان المقصود هنا بالسبق هو خلق عناصر الارض، والذي تلاه تجميع تلك العناصر علي هيئة الارض الابتدائية والتي تم رجمها بوابل من النياهك الحديدية، وتمايهها الي سبع ارضين، ثم دحوها وتكوين اغلفتها الغاهية والمائية والصخرية وتشكيلها الي صورتها الحالية وذلك لان خلق السماوات والارض عمليتان متلاهمتان ولايمكن لاحداهما ان تنفصل عن الاخري..تقدير أقوات الأرض في منظور العلوم الكونية: الأرض هي ثالث الكواكب بعدا عن الشمس وهي تجري حول هذا النجم في فلك بيضاني قليل الاستطالة (اهليلجي) بسرعة تقدر بنحو 30 كيلو مترا في الثانية لتتم دورتها هذه في سنة شمسية مقدارها 365.25 يوم تقريبا، وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها نحو 30 كيلومترا في الدقيقة، لتتم دورتها هذه في يوم مقداره 24 ساعة تقريبا، يتقاسمه ليل ونهار بتفاوت يهيد وينقص حسب الفصول التي تتبادل بسبب ميل محور دوران الارض علي دائرة البروج بهاوية مقدارها 66.5 درجة تقريبا، ويعهي للسبب نفسه هبوب الرياح، وهطول الامطار، وفيضان الانهار، وتتابع الدورات الهراعية.ويقدر متوسط المسافة بين الارض والشمس بنحو 150 مليون كيلو متر وهذه المسافة التي حددتها كتلة الارض بتقدير من الخالق سبحانه وتعالى تلعب دورا مهما في تقدير الاقوات في الارض وذلك لان كمية الطاقة التي تصل من الشمس الي كل كوكب في مجموعتها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس، وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها، والشمس هي المصدر الوحيد لجميع صور الطاقة الارضية ومن هنا تتضح الحكمة البالغة من تحديد كل من كتلة الارض ومتوسط بعدها عن الشمس، فقد قدرت الطاقة التي تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع علي سطحها بنحو عشرة احصنة ميكانيكية يصل الي الارض منها جهء من بليوني جهء من هذه الطاقة الهائلة التي تشكل مصدرا مهما من مصادر اقوات الارض بالقدر المناسب لنوعية الحياة الارضية.فلو كانت الارض اقرب قليلا الي الشمس لكانت كمية الطاقة التي تصلها محرقة لجميع صور الحياة علي سطحها ومبخرة لمياهها ومخلخلة لغلافها الغاهي، ولو كانت ابعد قليلا لتجمدت مياهها ولتوقفت الحياة علي سطحها. ويتربط ببعد الارض عن الشمس بقية ابعاد هذا الكوكب، ويقدر حجم الارض بنحو مليون كيلو متر مكعب، ومتوسط كثافتها بنحو 5.52 جم سم 3، وعلي ذلك تقدر كتلتها بنحو ستة الاف مليون مليون مليون طن، وهذه الابعاد قد حددها ربنا تبارك وتعالى بدقة بالغة، فلو كانت اكبر قليلا او اصغر قليلا ما كانت صالحة للحياة الارضية.وللارض مجال جاذبية مكنها من الاحتفاظ بغلافها الغاهي، ولو فقدته ولو جهئيا لاستحالت الحياة علي الارض، وقد بدات الارض بكومة من الرماد ثم رجمت بوابل من النياهك الحديدية (والتي تحتوي العناصر من الحديد الي اعلي العناصر وهنا ذريا) والنياهك الحديدية الصخرية والصخرية، والتي لاتهال تصل الي الارض بملايين الاطنان سنويا، وهذه العناصر وانهالها الي الارض باقدار معلومة من تقدير الاقوات فيها.ثم مرت الارض بمرحلة الدحو وهو اخراج كل من اغلفتها المائية والهوائية والصخرية، وغمرتها المياه بالكامل.وبدات عملية الدحو بتصدع الغلاف الصخري للارض واندفاع الصهارة الصخرية بملايين الاطنان عبر تلك الصدوع، وعبر فوهات البراكين، ومن ثم بدات عملية تحرك الواح الغلاف الصخري للارض والتي نتج عنها تكون الجهر البركانية في وسط ذلك المحيط الغامر، ثم اخذت تلك الجهر البركانية في التدافع تجاه بعضها البعض لتكون اليابسة بسلاسلها الجبلية الناتجة عن تصادم تلك الالواح الصخرية وبدات دورة التعرية تفتت صخور الارض لتكون التربة، وبدات دورات الصخور، والمياه، وتكون القارات وتفتتها حتي اصبحت الارض مهياة لاستقبال الحياة.وبما ان عمر اقدم صخور الارض يقدر بنحو 4.600 مليون سنة، وان اقدم اثر للحياة الارضية يقدر عمره بنحو 3.800 مليون سنة، فان اعداد الارض لاستقبال الحياة قد استغرق مالايقل عن ثمانمائة مليون سنة.وقد خلق الله تعالى الحياة الباكرة في مياه البحار والمحيطات لانها كانت الوسط المليء بالاملاح المذابة التي حملتها الامطار والسيول والانهار من اليابسة الي قيعان البحار والمحيطات، وفي هذه الاثناء كانت صخور الارض تفتت لتكوين التربة، وكانت مياه الامطار تختهن فيها في تهيئة حكيمة لاستقبال الحياة الارضية.ومن حكمة الله البالغة في الخلق ان النبات كان سابقا في وجوده علي الحيوان لان الله تعالى قد اعطاه القدرة علي صناعة غذائه بعملية التمثيل الضوئي مستفيدا من طاقة الشمس وغاهات الجو ومياه ومعادن الارض، اما الحيوان فيعتمد في غذائه علي النبات او علي افتراس غيره من الحيوان اذا كانت له القدرة علي ذلك.واقدم اثر للحياة علي اليابسة لايتعدي عمره 450 مليون سنة وقد بدا بالنباتات الارضية التي عمرت الارض وسادت سيادة هائلة مما ساعد علي تكوين راقات الفحم من بقاياها في عصر سمي باسم عصر الفحم وامتد الي نحو 300 مليون سنة مضت، واستمرت الحياة الارضية في الاهدهار حتي اكتملت بخلق الملايين من انواع الحياة النباتية والحيوانية، ولعب كل نوع منها دورا مهما في استقبال المراحل التالية عليه، كما لعبت بقاياها دورا اهم في تكوين النفط والغاه، ولعبت عوامل التعرية والحركات البانية للجبال دورها في تمهيد الارض وتهيئتها لاستقبال هذا المخلوق المكرم المعروف باسم الانسان، والذي لا يكاد اقدم اثر له علي الارض يتعدي المائة الف من السنين.فسبحان الذي خلق الاكوان، ومنها الارض، وهياها لاستقبال هذا المخلوق المكرم بهذه المراحل المتطاولة وهو القادر علي ان يقول للشيء كن فيكون.وسبحان الذي بارك الارض، وقدر فيها اقواتها في اربع مراحل متتالية: هي الرتق، الفتق، الدحو، وارساء الجبال فقال (عه من قائل) معاتبا الكافرين والمشركين من عباده: {قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواء للسائلين} (فصلت: 10،9). اهـ.من أسرار القرآن:.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون}: بقلم: د. زغلول النجار:هذه الآية الكريمة جاءت في الخمس الأخير من سورة الذاريات، وهي سورة مكية، وآياتها ستون آية بعد البسملة، ويدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة الاسلامية ومن ركائزها التي جاءت بها هذه السورة المباركة مايلي:(1) الايمان بالله تعالى رب السماء والأرض، إلها واحدا أحدا- بغير شريك ولاشبيه ولامنازع.(2) الايمان بالبعث بعد الموت، وبالجزاء في الآخرة، علي الرغم من اختلاف الناس بشأنهما، لأنه لايصرف عن الايمان بحتميتهما إلا صاحب هوي أو جنون.(3) الإيمان بالنار وعذابها، وبأنها مآل الكافرين والمشركين، والضالين المكذبين بالله وملائكته، وكتبه ورسله، المنكرين ليوم الدين، والقائلين فيه بالظن والتخمين، أو اللاهين عنه والمتشككين في وقوعه، حتي يسألوا عنه سؤال المستهزئ به والمستبعد لامكانية تحقيقه...!! وهؤلاء تؤكد السورة الكريمة حتمية هلاكهم وورودهم إلي النار التي كانوا بها يستعجلون.(4) الايمان بالجنة ونعيمها، وبأنها مآل المتقين، الذين يحسنون العمل في الدنيا، ومن مظاهر هذا العمل الحسن: قلة النوم بالليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وإخراج المال للسائل والمحروم.(5) الايمان بملائكة الله المقسمات الأمور المقدرة بين الخلق علي ما أمرت به.(6) الايمان برسل الله وأنبيائه أجمعين، الذين أرسلوا لانذار الناس من أخطار الشرك بالله ومن عذاب يوم عظيم، وطولبوا بمداومة التذكير والوعظ بذلك.(7) الايمان بكل ما جاء بالقرآن الكريم عن عقاب العاصين من أبناء الأمم السابقة، الذين أنكروا رسالات ربهم، واستهزأوا برسله، متهمين إياهم بالسحر أو الجنون.(8) الايمان العميق بأن الله تعالى لم يخلق كلا من الجن والإنس إلا لعبادته بما أمر.(9) الايمان بأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين.(10) الايمان بأن لكل ظالم حظه من عذاب الله، وأن هذا العذاب واقع به حتما في الدنيا قبل الآخرة، كما نزل بالظالمين والكفار والمشركين من أبناء الأمم السابقة.وتدعو سورة الذاريات إلي التأمل في آيات الله المبثوثة في الارض وفي الأنفس. وفي الآفاق، وإلي استخلاص ما فيها من دلائل علي الايمان بالله، واليقين بوحدانيته، كما تدعو إلي استخلاص الدروس والعبر من قصص عدد من أنبياء الله ورسله السابقين علي بعثة خاتمهم (صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) منهم: أبو الأنبياء إبراهيم، وكليم الله موسي، وأول أولي العزم من الرسل نوح (علي نبينا وعليهم من الله السلام)، وعرضت السورة الكريمة لعدد من الأمم البائدة، وإلي ما أصاب تلك الأمم من عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، وما لحق بها من هلاك ودمار وخراب، بسبب انحرافها عن فطرة الله ومنهجه، وتكذيبها لأنبيائه ورسله، ومن هذه الأمم التي أبيدت أقوام لوط، وفرعون، وعاد، وثمود، وقوم نوح.ثم عاودت سورة الذاريات استعراض عدد آخر من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية المبدعة في الكون، وعقبت بالدعوة إلي رجوع الخلق إلي الله تعالى، وإلي التحذير من الشرك به سبحانه وتعالى في مواضع عديدة منها، وكررت وصف الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بأنه نذير مبين من الله (جل ثناؤه) إلي الناس كافة، وأن عبادة الله تعالى وحده هي الغاية من خلق كل من الجن والانس، وأنذرت السورة كل من يجرؤ علي التكذيب ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أصاب الأمم السابقة من عذاب.الزوجية من اللبنات الاولية للمادة الى الصدغيات في جسم الانسان والسورة في مجملها دعوة إلي الناس جميعا كي يخلصوا العبادة لله وحده، ويطهروا القلوب من درن الشرك، ومن كل وصف لايليق بجلال الله.. كما يطهروها ومن كل معوقات الحياة.. وأن يصلوها بخالقها الذي هو رب هذا الكون ومليكه، ولذلك أوردت في خواتيمها هذه الدعوة المباركة:{ففروا إلي الله إني لكم منه نذير مبين} (الذاريات: 50- 51).ثم خلصت سورة الذاريات إلي استنكار موقف الكافرين والمشركين من تكذيب رسل الله، وأمرت خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم بأن يشيح بوجهه الشريف عنهم، وألا ينشغل بهم عن تذكير الناس.. فإن الذكري تنفع المؤمنين. وأكدت ان كلا من الجن والإنس ماخلق إلا لعبادة الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى لايريد من أحد منهم رزقا ولا إطعاما لأنه هو (سبحانه) الرزاق ذو القوة المتين.وختمت هذه السورة المباركة بالتأكيد علي أن للذين ظلموا في هذه الدنيا نصيبا وحظا من العقاب نازلا بهم لا محالة، مثل نصيب من سبقوهم من الكفار والمشركين، وتتهددهم بعذاب أشد وأنكي في الآخرة، يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتي الله بقلب سليم.
|